Skip to main content

كف الحياة المقامر


 
ديمًا كنت بعتبر الحياة عبثية لا يكمل منطقها إلا الموت أو سوناتا ضوء القمر حق بتهوفن. ولكن كما يوحي عنوان المقال فأنا بقيت مقتنع تمامًا إن أفضل حل لمواجهة عبثية الحياة وفقدان الشغف اللاحق لكل أنواع الخذلان المتعاقب علينا واللي بيبقى أوقات كتيرة يصعب التعافي منه، هي المقامرة. ولكن المقامرة مع الحياة.


صمت الوحدة العنيد

في هدوء الليل (لا مش هو الصامد المغامر ولا حاجة) بتلاقي نفسك بتشرب أي حاجة ليها تأثير على عقلك، في أحسن الحالات، زي القهوة. وبتبص للسما اللي لو حظك حلو تكون صافية وتلقي نظرة متفحصة على النجوم متنهدًا في ليلك وحيدًا مش لاحق حتى إنك تسأل النجوم، ليه الأمور وصلت للمرحلة دي؟ مش لأنك عارف ولكن لأن دموعك بتلحق كلامك وتبادر في النزول. الدموع دي من فرط التفكير اللي بيصاحبه عجز عن العثور على حل أو على الأقل مغزى من اللي بيحصل. 



  هنا بتبدأ رحلة الاقتناع، بما أدركناه مسبقًا سواء بالذهن أو بالحواس، إنه بالفعل لا يوجد أي منطق أو مغزى ممكن نصبّر نفسنا بيه. مهما كان في البداية يبدو أن الحياة منطقية ولكن منطقها يتناسب عكسيًا مع مدى إدراكك لجوانب حياتك.

بعضنا بيجد الهدوء وسط الحياة المستقرة، والبعض الآخر بيحس براحة وسط فوضى الحياة إلا إنه قادر (أو حابب) يهندل دا، بيجد فيها شيء من التسلية. ولكن أيًا كانت رؤيتك المثالية للحياة، في يوم ما بتختار الحياة تسلبك حياتك تدريجيًا بلا أي منطق سواء كنت مدرك لعبثيتها أو لا.

إدراك على مدخل التيه

الحياة نفسها غير مدركة طبعًا وغير مكترثة لينا. مهما تساءلنا، السؤال بيكون عبارة عن تفكير عميق في حاجة أشبه بريشة طايرة في الهوا من غير جناحين أو أي وسيلة لتوجيهها زي ما سعد عبدالوهاب قال. صعب جدًا تتوقع مسارها لفترات طويلة حتى وفق قوانين الفيزياء. ودا لكثرة المتغيرات المؤثرة على الريشة. وهنا سعد عبدالوهاب عرف برضو إننا هنسأل عن الحياة وقال خدها كدا زي ما هي، فيها ابتسامة وفيها آه وفيها آسية وحنية. وعلى قد ما فيها كل حاجة إلا إننا ملناش قدرة على التحكم فيها.


ولكن بعيدًا عن إلقاء حلول مثالية لفقدان الشغف أو الدوافع لاستمرار الحياة، إلا أنه النتيجة هتبقي واحدة. سواء فقدنا الشغف وقعدنا بدون حركة مش عارفين نقرر لأنه إحنا بلا طاقة فعلًا، أو إننا اتبعنا فكرة المقامرة مع الحياة، هتفضل نتيجة الخسارة وحشة، وهيفضل جوانا حزن مش عارفين نوديه فين. ولكن على قد ما هقول إننا محتاجين نتمهل على مشاعرنا ونعيشها زي ما فرضت علينا (since إننا ملناش دخل لأن أيًا كان اللي حصل فهو فوق طاقتنا) ولكن حبسة نفسنا جوا زاوية معينة من الشعور السلبي لفترة طويلة تأكد إنها هتكون بلا طائل، كوسيلة لمعالجة الحزن.

مقامرة مع الحياة

وهنا بتيجي احتمالية المكسب مع المقامرة رغم الشغف المفقود على أنه حل لا بأس بيه ووفق نظرية الاحتمالات فيوجد نسبة مش كبيرة ولكنها مش صغيرة إننا ممكن ننال بعض الحاجات من الحياة. مقتنعين تمام الاقتناع أننا مش هنقدر نغلب الحياة ولو اتكتب علينا نكون خاسرين في النهاية فليه لا منصنعش بعض الانتصارات. حتى وإن كانت نسبة الخطر عالية في المقامرة ولكن مع بعض التخطيط القليل هنزود نسب فوزنا، تخطيط مش هنقعد نفكر فيه كتير أوي ويعطلنا أو إننا هنخاف من عامل الخطر فهنقرر نبعد عن الحياة ونرجع للزاوية المنغلقة على ذاتها ونقعد نعاني ويلات ذاتنا. 



وربما أن تهرب من حزنك لوحدتك التي تجد فيها الونس بين أرفف الكتب القديمة، وايقاع البيانو البطيء والضوء الخافت المُركز شعلته علي صفحة تقرأها تبحث فيها عن هدوء صخبك، مستقر لأفكارك أو مجرى لدمع عيونك الحزينة هي وسيلة لمعالجة الحزن المدفون، أحيانًا لسنين طويلة. ولكن هناك دموع فرح في ذات الحياة المنطلقة الغير آبهة بوجودنا، يومًا ما ستجني ثمار مقامرتك معها، ثمار حزنك على من واراه التراب، صديقك الذي قرر الابتعاد، علاقتك العاطفية المستحيلة التي قررت الانجراف فيها وانتهت، وفرصك الضائعة مهما حاولت التشبث بها.


Comments

Popular posts from this blog

لن أعيش في جلباب أبي -- الرواية و الدراما

أول ما تسمع جملة " لن أعيش في جلباب أبي" هييجي تلقائيا في دماغك " عبغفور و فاطنة" 😂 .. ومع حبي الشديد للمسلسل اللي    من وجهة نظري ميتزهقش منه قولت أقرا الرواية واشوف هي هتبقي زي المسلسل ولا لا لن أعيش في جلباب أبي - الرواية الرواية تأليف كاتب الحب والحرية " احسان عبد القدوس" اتكتبت سنة 1982 صدرت عن مكتبة غريب .. تناولت بشكل سطحي جدا حياة المليونير العصامي البخيل " عبد الغفور البرعي" . أولا: الرواية فيها كم غلطات رهيبة في الاسماء مره تلاقي ابن عبد الغفور الكبير اسمه عبد الستار والمرة التانية تلاقيه عبد السلام (وهو اساسا شخصية لا وجود لها ولا تأثير في الرواية ).. (أمينة) البنت الامريكية اللي اسلمت مرة تلاقيها اسمها روزماري ومرة روزالين ..  ثانياً: حياة عبد الوهاب البرعي واللي كان طول الوقت الكاتب بيحاول يوصل للقارئ اد ايه انه غريب شاب يكون في سنه وملهوش اي علاقات نسائية وكأن الطبيعي في مصر العلاقات الكتير قبل الجواز.. ثالثاً: حياة نظيرة البرعي واللي المفروض كل يوم بتروح تقعد مع حسين في بيته وتروح من عنده متأخر ...

عن العلم السلفي ونقد الدحيح

منذ فترة طويلة تتجاوز سنوات ونحن نعاني من التحريف، الاقتباس المشوه، والانتقاء في كل الجوانب العلمية. نعم هي تحديدًا كلمة الانتقاء، من منا لم يسمعها سابقًا؟ عليك أن تنتقي مصادرك المعرفية، العلمية، الثقافية...... إلخ. أعتقد أنه مع الاختلاف الشديد بين المراحل العمرية إلا أنه على الأقل جيل الثلاثينات والأجيال التالية له جميعهم يسمعون هذه الترهات. بالرغم من كوننا في عام 2019 إلا أننا نجد من يملي علينا هذه الترهات الآن. فها هو إياد قنيبي يخرج علينا عبر صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي ليقول لنا لا تشاهدوا الدحيح – وهذا الاسم شهره لأحمد الغندور الذي يقدم محتوى علمي ترفيهي – هذا الملحد المروج للإلحاد. عليكم أن تسمعوا صوت الحق، وهو صوتي أنا، صوت الدين، وهو صوتي أنا. في بداية الأمر لم أكن أود أن أشاهد هذه الفيديوهات – والتي بالمناسبة ليست المرة الأولى التي نجد فيها أحد ما يبحث وراء خلفية الدحيح الدينية سواء كان متدين أم لا ديني – ولكني لم أهتم بهذه الفيديوهات إلا حينما وجدت عدد كبير من أصدقائي يتشاركونه على شبكات التواصل. حسنًا بدأت المشاهدة، يظهر أمامي رجل يعتلي وجهه ابتسامه غر...