جميعنا يعلم أن الشباب هم المستقبل، وهم
عصب أي أمة ترغب في النهوض والتقدم وصنع حضارة، وعليه فإن الأمة – من المفترض – أن
تهتم بشبابها رعاة نهوضها.
ولكن ما نراه – كشباب عربي – من أمتنا العربية
هو امتهانٌ إذلالنا، وتحطيمٌ وإفقارٌ لأمالنا؛ فما زلنا لا نلقى احتواء أو مساحة
للمشاركة أو التغيير، وهو ما يكاد يمحق أي هوية بداخلنا، يفترس أي ثورة في نفوسنا،
مما يجعلنا نميل للرحيل عن البقاء، ونجد في الهجرة سبيلًا للجفاء.
نجد الهوة بيننا كشباب وبين أمتنا تنشأ
بداية من تكوين الفكر؛ فنجد حاضرنا العربي يرفض الشاب ذو الفكر المستقل، في أي سنٍ
كان، فهذه لا تتوقف على مرحلة معينة. وإن اختلفت المقاصد في تكوين الفكر الناقد
لتسيير تلك الأمة دائمًا، ما يكون الرد بالإقصاء والتهميش.
" نسب البطالة في الطالع "،
" حرية التعبير في النازل "، " لا يوجد حكم دستوري "، "
الفساد وصل للأعناق "، " مجتمع قبلي يرفض الاختلاف ". هذه نبذة من
آراء الشباب صاحب الفكر الناقد عن أمتنا العربية وكيف وصلت بنا إلى هذا القاع. فمن
المفترض نجد الاحتواء المطلوب، والتقدير المنشود لأفكارنا ونقدنا السياسي أو حتى
الاجتماعي.
ولكن ما نراه عكس ذلك بالمرة، فنجد أمتنا تسعى
لمحق ذوي الفكر وإعادة تدويرهم أو إنشاء آخرين معدومي الفكر والعقل، تربي فيهم
انعدام النقد والرضا بما تقدمه له من أهوالٍ ومصائب. فهي تمحق الرأي العام،
وبالأخص الرأي الشاب، وهو ما لا يحب أن يشعر به ذوي الفكر الناقد البنّاء.
وفي سيل أخبارٍ ليس ببعيد، نجد الصحفي
ذو الفكر الإصلاحي لا الثوري، جمال خاشقجي، قد قُتل في القنصلية السعودية في
تركيا، باعتراف سعودي أنهم هم القتلة، وبتورط بن سلمان بذاته. فنجد بن سلمان في
حيرة تامة، في كل ساعة بتصريح؛ محاولًا امتصاص غضب الرأي العام الغربي والأمريكي
بالتحديد، غير آبهٍ تمامًا بالرأي العام السعودي ولا الشباب السعودي ذوي الفكر
الناقد الحر.
وهذه الحالة الفجة من التهميش لا يلقاها
كل سعودي، بل كل عربي شاب، عاش في الوطن العربي، احتضنته الأمة العربية حتى
خنقتنه، فمالنا أن نستعجب من زرقة الوجه!
" بتعاملني كأني مجرد خيال.. وإن جيلنا دا كله شوية عيال "
نشعر بالاختناق من صراع الأجيال الذي
بلغت شدته عنان السماء، نجد الجيل القديم المسيطر بآرائه، تحليله، وبالطبع إصلاحه
العقيم. ونجد الشباب يعبرون عن ثوريتهم وتمردهم في أغانيهم؛ مثل أغنية اسمعني
للفنان حمزة نمرة، والذي ناقش التهاون بآراء الشباب وافكارهم وتهميشهم من قِبَل
الجيل القديم؛ الذي يرى أنه صاحب الرأي الصائب ولا يعلو فوق صوته صوت.
كل ذلك من التصدع والاتساع في الهوة
التي خلقتها الأمة العربية الشرقية بينها وبين عصبها وشبابها.
" إن إبعاد الشباب عن المشاركة
الفعالة والحقيقية في المجتمع إنما ينشأ عن انحراف حاد في المجتمع، ويؤدي إلى
انحراف هؤلاء الشباب بتغييبهم عن قضايا الأمة، وهو ما يؤدي إلى الإفراط في
الانتماء إلى الأنا، وهو التطرف والتعصب والتشدد "
هذا ما وجده أحد الشباب ليعبر عن
مشاكلنا في الوضع الراهن، وهو ما يلخص ما قد سبق.
فإنه من الطبيعي أن يمارس الشاب دوره
الطبيعي من التمرد على الفكر التقليدي، وبناء فكر نقدي فعال ليساهم بحماسته في
تطوير بيئته، مجتمعه، ومن ثم أمته. ولكن العكس لا يمثل سوى الحرب، فذلك التهميش
المقصود والممنهج تجاه الشباب لا يؤدي إلا إلى الهروب، الهروب بعيدًا، بعيدًا حيث
الحياة.
Comments
Post a Comment