Skip to main content

"صارت شتا"



وأخيراً حلت الشتوية.. يافعة ومندفعة وجميلة من سماء بلدتنا لمرتها الأولىٰ هذا العام بغير توقف. في ليلة الثلاثاء، بال22 من أكتوبر، أقف كالمسحورة وسط شرفة المنزل، وسط الرياح والماء والبرق الذي ينير الدنيا فجأة ثم يتركها في ظلامها البائس، غير قابلة علىٰ التصديق، وقلبي يرقص كمن يُعاصر فرحاً. إنه عُرس الشتاء بالطبع!.



يهطل المطر بغزارة وحيوية مُخلفاً رائحة الطبيعة في أجوائه، ومُعلناً عن ربيعاً آخر غير ذلك الذي تتفتح به الزهور ويخضر به الشجر. هذا ربيعاً للبرد والذكريات ورائحة الجوافة اللذيذة ولمذاق المشروبات الساخنة والملابس الصوفية. ربيعاً نختبئ به وراء النوافذ وبين أحضان البيوت.
...

لم أكن وحدي اللفافة الكبيرة للدهشة بزخم المطر ورائحته في هذه الليلة، بل تفاجأ الكل تماماً كما مِثلي. خافت أُمي من أن يطيل هطوله وزخمه أكثر ولا يجد لمستنقعاته الصغيرة مكاناً ويهجم علينا، فقامت بإخلاء غرفة المعيشة وسلالم المنزل من كل متاعهم: الأحذية والمفارش الأرضية وما غير ذلك.
وأبي بدوره أقبل علينا من نومه قائلاً:
"أنّ الله غاضب علىٰ الناس بالتأكيد لينزل المطر بهذه الشدة."
فالتفتت أُمي مقاطعة إياه:
"ولما لا تقول أن هذا رزق منه وليس غضب."
ونوافذ المنازل من حولنا أخذت تفتح أبوابها الواحدة تلو الأخرىٰ مُحدثة جلبة في جوف الليل، بعضها مستاءة، وبعضها مندهشة، والبعض الآخر تحمي ما تستطيع حمايته.
أما أنا فلم أكن مهتمة بأي مما يحدث وكأن أحداً لم يُوقظ الليل مُنهم.. أو حتىٰ إن كان أياً من حديث أبي وأمي هو الصائب.. ليس مُهما أياً مما يُقال، وليس مُهما أياً مما يدور من حولي، وليس عليّ أن أُنقذ أي شئ بدوري أو أن أُحرك ساكناً..
فليس من حقيقة مُدهشة ومبهجة لعيني غير أن الدُنيا قد صارت شِتا!.

Comments

Popular posts from this blog

كف الحياة المقامر

  ديمًا كنت بعتبر الحياة عبثية لا يكمل منطقها إلا الموت أو سوناتا ضوء القمر حق بتهوفن. ولكن كما يوحي عنوان المقال فأنا بقيت مقتنع تمامًا إن أفضل حل لمواجهة عبثية الحياة وفقدان الشغف اللاحق لكل أنواع الخذلان المتعاقب علينا واللي بيبقى أوقات كتيرة يصعب التعافي منه، هي المقامرة. ولكن المقامرة مع الحياة. صمت الوحدة العنيد في هدوء الليل (لا مش هو الصامد المغامر ولا حاجة) بتلاقي نفسك بتشرب أي حاجة ليها تأثير على عقلك، في أحسن الحالات، زي القهوة. وبتبص للسما اللي لو حظك حلو تكون صافية وتلقي نظرة متفحصة على النجوم متنهدًا في ليلك وحيدًا مش لاحق حتى إنك تسأل النجوم، ليه الأمور وصلت للمرحلة دي؟ مش لأنك عارف ولكن لأن دموعك بتلحق كلامك وتبادر في النزول. الدموع دي من فرط التفكير اللي بيصاحبه عجز عن العثور على حل أو على الأقل مغزى من اللي بيحصل.    هنا بتبدأ رحلة الاقتناع، بما أدركناه مسبقًا سواء بالذهن أو بالحواس، إنه بالفعل لا يوجد أي منطق أو مغزى ممكن نصبّر نفسنا بيه. مهما كان في البداية يبدو أن الحياة منطقية ولكن منطقها يتناسب عكسيًا مع مدى إدراكك لجوانب حياتك. بعضنا بيجد...

لن أعيش في جلباب أبي -- الرواية و الدراما

أول ما تسمع جملة " لن أعيش في جلباب أبي" هييجي تلقائيا في دماغك " عبغفور و فاطنة" 😂 .. ومع حبي الشديد للمسلسل اللي    من وجهة نظري ميتزهقش منه قولت أقرا الرواية واشوف هي هتبقي زي المسلسل ولا لا لن أعيش في جلباب أبي - الرواية الرواية تأليف كاتب الحب والحرية " احسان عبد القدوس" اتكتبت سنة 1982 صدرت عن مكتبة غريب .. تناولت بشكل سطحي جدا حياة المليونير العصامي البخيل " عبد الغفور البرعي" . أولا: الرواية فيها كم غلطات رهيبة في الاسماء مره تلاقي ابن عبد الغفور الكبير اسمه عبد الستار والمرة التانية تلاقيه عبد السلام (وهو اساسا شخصية لا وجود لها ولا تأثير في الرواية ).. (أمينة) البنت الامريكية اللي اسلمت مرة تلاقيها اسمها روزماري ومرة روزالين ..  ثانياً: حياة عبد الوهاب البرعي واللي كان طول الوقت الكاتب بيحاول يوصل للقارئ اد ايه انه غريب شاب يكون في سنه وملهوش اي علاقات نسائية وكأن الطبيعي في مصر العلاقات الكتير قبل الجواز.. ثالثاً: حياة نظيرة البرعي واللي المفروض كل يوم بتروح تقعد مع حسين في بيته وتروح من عنده متأخر ...

عن العلم السلفي ونقد الدحيح

منذ فترة طويلة تتجاوز سنوات ونحن نعاني من التحريف، الاقتباس المشوه، والانتقاء في كل الجوانب العلمية. نعم هي تحديدًا كلمة الانتقاء، من منا لم يسمعها سابقًا؟ عليك أن تنتقي مصادرك المعرفية، العلمية، الثقافية...... إلخ. أعتقد أنه مع الاختلاف الشديد بين المراحل العمرية إلا أنه على الأقل جيل الثلاثينات والأجيال التالية له جميعهم يسمعون هذه الترهات. بالرغم من كوننا في عام 2019 إلا أننا نجد من يملي علينا هذه الترهات الآن. فها هو إياد قنيبي يخرج علينا عبر صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي ليقول لنا لا تشاهدوا الدحيح – وهذا الاسم شهره لأحمد الغندور الذي يقدم محتوى علمي ترفيهي – هذا الملحد المروج للإلحاد. عليكم أن تسمعوا صوت الحق، وهو صوتي أنا، صوت الدين، وهو صوتي أنا. في بداية الأمر لم أكن أود أن أشاهد هذه الفيديوهات – والتي بالمناسبة ليست المرة الأولى التي نجد فيها أحد ما يبحث وراء خلفية الدحيح الدينية سواء كان متدين أم لا ديني – ولكني لم أهتم بهذه الفيديوهات إلا حينما وجدت عدد كبير من أصدقائي يتشاركونه على شبكات التواصل. حسنًا بدأت المشاهدة، يظهر أمامي رجل يعتلي وجهه ابتسامه غر...