وأخيراً حلت الشتوية.. يافعة ومندفعة وجميلة من سماء بلدتنا لمرتها الأولىٰ هذا العام بغير توقف. في ليلة الثلاثاء، بال22 من أكتوبر، أقف كالمسحورة وسط شرفة المنزل، وسط الرياح والماء والبرق الذي ينير الدنيا فجأة ثم يتركها في ظلامها البائس، غير قابلة علىٰ التصديق، وقلبي يرقص كمن يُعاصر فرحاً. إنه عُرس الشتاء بالطبع!.
يهطل المطر بغزارة وحيوية مُخلفاً رائحة الطبيعة في أجوائه، ومُعلناً عن ربيعاً آخر غير ذلك الذي تتفتح به الزهور ويخضر به الشجر. هذا ربيعاً للبرد والذكريات ورائحة الجوافة اللذيذة ولمذاق المشروبات الساخنة والملابس الصوفية. ربيعاً نختبئ به وراء النوافذ وبين أحضان البيوت.
لم أكن وحدي اللفافة الكبيرة للدهشة بزخم المطر ورائحته في هذه الليلة، بل تفاجأ الكل تماماً كما مِثلي. خافت أُمي من أن يطيل هطوله وزخمه أكثر ولا يجد لمستنقعاته الصغيرة مكاناً ويهجم علينا، فقامت بإخلاء غرفة المعيشة وسلالم المنزل من كل متاعهم: الأحذية والمفارش الأرضية وما غير ذلك.
وأبي بدوره أقبل علينا من نومه قائلاً:
"أنّ الله غاضب علىٰ الناس بالتأكيد لينزل المطر بهذه الشدة."
فالتفتت أُمي مقاطعة إياه:
"ولما لا تقول أن هذا رزق منه وليس غضب."
ونوافذ المنازل من حولنا أخذت تفتح أبوابها الواحدة تلو الأخرىٰ مُحدثة جلبة في جوف الليل، بعضها مستاءة، وبعضها مندهشة، والبعض الآخر تحمي ما تستطيع حمايته.
أما أنا فلم أكن مهتمة بأي مما يحدث وكأن أحداً لم يُوقظ الليل مُنهم.. أو حتىٰ إن كان أياً من حديث أبي وأمي هو الصائب.. ليس مُهما أياً مما يُقال، وليس مُهما أياً مما يدور من حولي، وليس عليّ أن أُنقذ أي شئ بدوري أو أن أُحرك ساكناً..
فليس من حقيقة مُدهشة ومبهجة لعيني غير أن الدُنيا قد صارت شِتا!.
Comments
Post a Comment